Clash Of Ideas


عدم الاعتراف بالله نتيجة عدم الاستدال عليه لهو اهون من الايمان به عن عدم يقين. فجل المؤمنين بالله كما نرى يأخذون ايمانهم بالوراثة او بما وجدوا عليه ابائهم. وهم لم يعملوا العقل في طبيعة هذا الايمان واطمأنت له قلوبهم واتبعوا تماما ملة من كان قبلهم بالتسليم المطلق بالامر الذي وجدوه. مع ان اهم شرط من شروط الايمان هو التدقيق والبحث عن ماهيته وعلته. وكون هذا لا يتنافى مع الاوامر الالهية ، الا ان الله لم يامرنا ابدا بالايمان التبعي ولكنه امرنا بالايمان اليقيني. بمعنى اننا مسؤولون امام الله عن شكل ايماننا وطبيعته. وتاتي هنا فكرة التدرج في الايمان. فنجد من يعلو ايمانه ويسمو الى درجة الانبياء والقديسين ومنا من تنزل درجته الى اشباه الايمان والتمسك الظاهري والحرفي بامور الدين. اما ان نظرنا الى الملحد فنجده قد سلك طريقا للتعرف على الله ولكنه فشل في الوصول اليه ، فاطمئن الى عدم التسليم به والاقرار بوجوده. وهو في هذه الحالة قد استعمل العقل ولكنه فقد المنطق وزلت قدماه وضل سواء السبيل.فهو لم يكد البحث عنه وانساق الى كتابات تشكك في وجوده واعطته بعض الادلة العلمية على ذلك بالرغم من ان فرضية عدم وجود الله تتساوى في الوقت ذاته مع فرضية وجوده. فيقع الملحد في هوى المناظرات ليؤكد لنفسه انه على حق. فتجده يقارن بين حال المسلمين مثلا وحال الغرب.ويقنع نفسه بان الغرب بما توصلوا اليه من علم قد توصلوا الى هذا الامر قبلنا بما لديهم من وسائل اثبات وهم بذلك اولى بالتبعية والتسليم.وبما انهم قد حيدوا الله في كل امور دنياهم فهو على اثارهم مهتدي.لهذا نجد ان كفر الملحد له من المدلولات والاسباب التي قد يكون بعضها وجيها. اما طريق المؤمن بالوراثة لم ياخذ الامور بهذا المحمل ولكنه سلم بالامر بالتبعية لاتبصر في الامر ولا تنظير. ولسان حاله يؤكد له ما يفعله بما يراه فيمن حواليه من الموالين والمشايعين وابناء الجلدة.
والنقطة الاخرى التي يجب ان نلاحظها ان عقل الملحد يكاد يكون اعمق واشد فهما ونضجا من المؤمن ايمان التابعين. فهو اخذ الامر بجدية مفرطة ولا يهمنا النتيجة التي توصل اليها بقدر ما يشغلنا بانه لم يترك عقله لهبات الدجالين وعواصف الممثلين. فاذا دققنا النظر في كينونة الملحد قد نجد الغالبية منهم على قدر كبير من التعليم. ومنهم العلماء والباحثين. فهم قدروا العلم والعقل ولم يشكوا فيما فعلوه. لهذا فالعقلية العلمية الناقدة ان شغلها شاغل ديني فانها تتبع نفس سبيل المنطق والاستدال الذي تستخدمه في اثبات امر من امور العلم. فسلوك العقل واحد في الحالتين.وكون هذه الشخصية لاتسلم بمبدا او قانون الا بعد فحص وتمحيص ، فانها بالتالي لا تاخذ الامور على علاتها وتخضعها للبحث والتقصي.
ولكن العجب العجاب هو انك تجد عقلية علمية قد ترتفع الى اعلى مراتب العلم ولكنه يسلم بامور تجافي العلم والحقيقة تماما. فكيف يحمل العقل العلمي متناقضين؟ وهنا لا نتحدث عن الامور الغيبية المستقبلية ، فالعقول تتساوي سواء الملحد والكافر في هذا الامر . ولكن الذي يضير هو تسليمنا بامر علمي دنيوي ينافي العلم والحقيقة ولا يحمل في طياته الا الوهم وسبب ذلك قد نجد هذا الامر متعلق بموروث ديني بحت فترتاب هذه النفوس العلمية من محاولة نقدها فينهدم بالتالي ايمانها بهذه المقدسات. والذي يفعله العقل في هذه المعضلة ، هو انه يدفع الفكرة العلمية الصحيحة في العقل الباطن ويظهر ايمانه بالفكرة الفاسدة نتيجة تسليمه بها. فيقع هذا الانسان في مشكلة الضغط النفسي الذي يرتد اليه في صور شتى ابسطها موت العقل والفكر. ويتحول هذا الانسان الى مسخ يردد اقوال السابقين بدون اي اضافات منه او تعليق. ويتحول علمه الى اداة تعطيل بدلا من اداة تفعيل.
والنموذج الذي نطرحه لهذه المشكلة هو موضوع بول الابل الذي يسلم ويؤمن به جمع غفير من المسلمين. هذا الحديث ينافي العلم تماما ولا يمكن ان يكون صحيحا اذا كان لنا الحق في الطرح. ولا يمكن ان نصدق ان حديث كهذا قاله نبي او رسول، فالله طيب لا يحب الا الطيب ولا يمكن ان يامرنا بان نتناول الخبيث. وطرحنا هنا لن نناقش فيه هذه القضية ونبتعد عن السؤال الرئيسي للموضوع، وهو كما نكرر كيف لعقلية علمية مثل عقلية اساتذة جامعات تستوعب وتقتنع بمثل هذا الكلام.؟ وكيف يقع العقل العلمي في التسليم بجهل مطلق؟
من هذا المنظور سنتناول قضية اخرى وهي قضية صدام الافكار والمعتقدات داخل المجتمعات وليس خارجها. بمعنى انه ليس صدام اممي او حروب تشتعل لفكرة مثل هذه . ولكن الذي نحدده هو ان المجتمعات التي تسلم بامور مثل هذه داخل العقلية العلمية لابد سياتي يوم تتصارع فيه هذه الافكار . ولابد ان يقع العلم وجها لوجه مع الجهل. واذا كان العلم يحمله قلة والجهل يحمله كثرة ، فلن يكون السبيل الى النصر الا بما اتى ايهما من القوة. فمنطق اقرار العلم في هذه الدول لا ياتي عن طريق الاقناع . فكيف يقنع اصحاب العلم اصحاب الجهل بموضوع اصحاب الجهل يؤمنون بصحته. حينها ستندلع حربا خفية او ظاهرة يمكن ان تقسم المجتمع بسبب رفض الجميع تقبل الطرف الاخر. فظاهر الامر سيخرج في صورة جدال لا يستطيع اي طرف الانتصار فيه، فيسلم الجميع بان الفرقة هي الحل الوحيد للتعايش ويقنع الجميع بغنيمته. فانقسام المجتمعات لا ياتي عن طريق محتل ولكنه في الغالب انقسام ثقافي وفكري. يتبعه مباشرة انقسام على الارض. ولا يتدخل المحتل الا لتوقيع معاهدة السلام بين الطرفين. وكل صور الانقسام داخل الدولة الواحدة تجدها انقسام فكري اولا ثم انقسام على الارض. وما قضية السودان منا ببعيد. صحيح يمكن ان يحدث انقسام عرقي او ديني ولكنه في الاصل ايضا انقسام فكري. بمعنى ان ايماني مختلف عن ايمانك وحديثي مختلف عن حديثك وبما انني غير مقتنع بك فكريا فلن نتقارب ابدا طالما ليست لدينا قناعة بتقبل الاخر.
والذي يسبب سرعة هذا الانقسام ، انك قد تجد قلة ممن يطلق عليهم العلماء تدعم الافكار المنحرفة فيشاهدها العامة والغوغاء ويعتقدون في دواخلهم بان العالم الجهبذ فلان الفلاني قد اقر بصحة هذا الكلام فيزداد التشويش بينهم وترتفع حدة الخلاف.
ولنا فيما يحدث على وسائل الاعلام ومنصة رابعة العدوية عبرة فيما نقول. فهم يأججون الصراع الديني بين ابناء نفس الوطن وبين بعضهم. وهم لا يألون جهدا في استخدام كافة الادوات لدحض اقوال المخالفين. وهم بذلك لا يبالون بما يفعلونه داخل المجتمع من انقسام حتى ولو وصل الامر الى الحرب الاهلية بكل ما تحمله هذه الحرب من اهوال. هم يشعلون النار في الهشيم ويعتمدون على المغيبين الذين يصدقونهم فيما يقولوه بدون تفكير او فهم.
الملفت للنظر في هؤلاء المغيبين ، نجد ان من بينهم اشخاص تحمل من الشهادات الجامعية التي تجعلك تقف حائرا وتسأل نفسك كيف مثل هؤلاء يصدقون هذا الهراء؟!! وبعد فترة من التمحيص واستنباط الاسباب وجدناهم انهم لا يختلفون عن المغيبين الجهلة الا بقدر السترات التي يلبسونها. فالعقول تقريبا متساوية في طريقة التفكير والاستدلال. ودائما يستدرجون الطرف المعارض الى النقاش والخلاف الديني. وكان الدين نزل من السماء اليهم فقط. الا ان الملفت للنظر انهم لا يفقهون ما يطرحوه من اراء دينية. فتجدهم لا يعرفون من القران او السنة الا ما سمعته اذنهم من الشيخ او الحاج. وكل ثقافتهم الدينية لا تضارع بعض الملحدين في بعض الاحيان. ولا يعرفون الفقه او اسباب النزول او الفرق بين الحديث الموضوع والمتواتر. هم اخذوا الامور على علاتها ولم يعبأوا ان يجهدوا انفسهم قليلا لمعرفة الفرق بين مذهب ابي حنيفة وبين مالك مثلا. هم لا يعرفون اي شئ في دينهم الذي يطنطنون به ليل نهار. انهم لا يرفعون المصاحف الا كما رفعها اتباع معاوية في حرب صفين.
فاذا نحينا نقطة الدين جانبا ونظرنا الى حياتهم العملية ، واخص المؤهلين علميا في هذه النقطة . نجد اغلبهم لا يعانون الفاقة  ولا يعوزهم العوز. فهم اقرب الى الاغنياء منهم الى الفقراء. لذلك نحن نعتقد ان ميلهم الى الطرف مدعي الدين انما هو ميل طبيعي للخوف على مصالحهم. او لعل بعضهم منتفع من اقرار الحكم الديني بحكم قربه او منصبه الى متخذي القرار. اذا فعقلهم الباطن يدفعهم الى البعد عن المجازفة والمخاطرة بمستقبل حياتهم. هم يفعلون ذلك بدون ادراك او فهم للواقع المعاش. وبالتالي فصراعهم الداخلي لم يظهر على السطح بعد. وهذا الصراع سيخرج ان اجلا او عاجلا بدون قدرة منهم على كبت جماحه عندما يجدون انفسهم يحاربون وحدهم بعد سقوط اصنام الوهم التي عبدوها. وان كان التاريخ يخطرنا بان للحياة دورة لا يستطيع اي احد ان يقف امامها ، فلنا ان نتاكد من ان دورة الحياة ستطالهم وتسحقهم وتبعدهم عن المشهد تماما. وسيدفعون ثمن وقوفهم في وجه صراع الافكار التي ستنتصر في النهاية مقدمة اهل العلم والفكر الحقيقي في اول الصفوف. وستنقلب صفحة التاريخ لدفنهم غير مأسوف عليهم. فهم بدعمهم للافكار المغلوطة لن يسامحهم احد ولن يغفر لهم احد على ما اقترفوه من اثم في سبيل رفعة شأن هذا البلد.
في النهاية نحب ان ننوه ان صدام الافكار قادم لا محالة . فلا يمكن ان يتعايش طرفان متضادان الى الابد ولكن ستاتي دورة الحياة الطبيعية لكي تدفع الحياة في الاتجاه الصحيح لها. ويجب ان نكون مستعدين لهذا الصدام . يجب علينا ان نفكر جيدا وان نتسلح بسلاح العلم الذي لا غنى عنه في الايام القادمة . فكل من يحمل افكار بائدة او عقول هامدة سامدة لن يجد له موطئ قدم في هذه الحياة.
ولكم في سنة الاولين عبرة يا اولي الالباب.
      


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدهد سليمان ( قراءة جديدة )

القاضي والمجرم ( قصة قصيرة )

أسماء قداح الجاهلية